الحب في القرآن الكريم رؤية تأصيلية تربوية
محمد القاسمي
آخر يتغذى فيه على المشاعر والروحانيات والمعنويات والغيبيات والماورائيات. ولا يتم له التوازن الطبيعي إلا بالتوازن في وجبات النصفين والمزج بينهما وعدم تغليب أحدهما على الآخر.
وحديثي اليوم لا علاقة له بالتراب والماديات والطينيات، وإنما هو حديث في العمق النفسي والجوهر الوجداني والسر العاطفي، حديث في القلب المعنوي للإنسان بصفته (عضلة) قابلة للتمدد والتقلص بمعاني القرب والبعد والكراهية والوئام، بل حديثي سيكون عن أرقى مقامات الإحساس الوجداني لهذا (القلب)، وهو مقام يتكون في بنيته اللغوية اللهجية من (حرفي: حاء+باء) أي من صوتين كلاهما لا ينتميان إلى حروف (الاستعلاء) المتسمة بالعلو في طبقتهما الصوتية، بل هما من حروف (الاستفال) يسيرة النطق على الناطق، وسهلة اللفظ للافظ، لا يتكلف في النطق بهما كما لا يمكن أن يتكلف ويتجشم عناء اكتسابهما والتظاهر بحقيقة معناهما، لأنهما بكل بساطة يشكلان كلمة جميلة رقراقة حلوة / صعبة وهي (الحب).
نعم هي كلمة خفيفة في الميزان لكنها ثقيلة في (الامتحان) امتحان القلوب وتمحيصها، ومدى تفاعلها مع زمرة المحبوبين، فقد قلّ فيها الصادق والمصدوق، والمُجدّ والمحبّ، فكثير من الورعين الزهاد في (الحب)، يظنون أنها كلمة معيبة، وعبارة ركيكة، وهم معذورون في ذلك، لا لشيء إلا لأن تجربتهم فيه عديمة، وذاكرتهم المعنوية ارتبط مفهوم (الحب) فيها بالصور والأبدان، وتشوه معناه بسلوكات وادعاءات المحبين الكاذبين، وأصبح الحب في مخيلتهم صورة مقيتة، ومظهرا من مظاهر التفلّت من معاني الوئام الصادق، والتضحية البطولية، والأخلاق الرفيعة والقيم السامية، والأدب الجم. وزاد الطين بلَّة، والبعد جفاء، حديث أهل البغض في الحب، وسكوت أهل الصلاح والإيمان عنه، فتبدى للناس أن الحب كل الحب أن ” تحب كما يحب أهل الفسوق “، وتفسق كما يفعل المحبون، أما الحب الحقيقي للأسف فقد بقي أفكارا في بطون الكتب والعقول والقلوب، لا يقدر البوح به أحد العفيفين، ولا الحديث عنه أهل الصدق من المحبين.
إن (الحب) أحد (مسالك التولية) على عروش قلوب الناس، سلطته نافذة، آثاره عميقة، وفوائده سنية، يحق لنا أن نتنافس فيه تنافس الشرفاء، ونتبارز فيه مبارزة الأقوياء، ولم لا ؟؟ وهو ركيزة الاجتماع، وأس الانتفاع، وروح دوام العلاقات وخلودها في سجل المحبين، ولم لا ؟؟ وهذا القرآن الكريم يزخر بعشرات الآيات يستعمل فيها لفظ (الحب) بمشتقاته، وتصاريفه في زمني الماضي والمستقبل، وها السُنّة حوته بأزمنته الواردة في القرآن وزيادة زمن (الأمر). نعم إن القرآن الكريم اعتبر الحب (كلية) من (كليات) النفس والقلب، ومحورا من محاور الألفة والأنس، وسببا في استحقاق وسام الولاية وحب جبريل والملائكة والناس أجمعين.
إذن ما الحب ؟؟؟
إن حديث القرآن عن الحب أتى بصيغ كثيرة وصور متعددة فتارة:
في علاقة المؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخرى في علاقته بالمؤمنين.
وأخرى بذوي القربى من الناس.
ومرة في النهي عنه مع المخالفين في التوحيد.
وتارة في حب الدنيا والأموال ولواحقهما.
ومعنى هذا أن الحب علاقة نفسية تتجاوز (جغرافيا) المكان وحدود الزمان وذوات الأشخاص، وهو تفاعل عاطفي ذو حدين: إما حب سليم صحيح منتج، أو حب مزيف عقيم، وما يهمنا ههنا هو أن حديث القرآن عنه (إقرار) بوجوده واعتراف بضرورته، لكن مع ذلك هو تصحيح لمساره وتقويم لاعوجاجه وتقييم لتمثلاته في ذاكرة الناس وسلوكاتهم في واقعهم.
لقد تعددت وكثرت أسماء الحب وأوصافه، حتى أوصلها صاحب (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) الإمام ابن القيم _رحمه الله_ إلى خمسين اسما وهي” المحبة والعلاقة والهوى والصبوة والصبابة والشغف والمقة والوجد والكلف والتتيم والعشق والجوى والدنف والشجو والشوق والخلابة والبلابل والتباريح والسدم والغمرات والوهل والشجن واللاعج والاكتئاب والوصب والحزن والكمد واللذع والحرق والسهد والأرق واللهف والحنين والاستكانة والتبالة واللوعة والفتون والجنون واللمم والخبل والرسيس والداء المخامر والود والخلة والخلم والغرام والهيام والتدليه والوله والتعبد ” ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: 16) )،
وأصل معنى (الحب) الصفاء “لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان وقيل مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب وقيل مشتقة من اللزوم والثبات، وقيل معناه الاضطراب ولب الشيء “[ روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: 17).].
فالبياض إشارة إلى شدة صفاء القلب لمحبوبه، وسيماء لون البياض مرتبط غالبا بالخير وأهله حتى في الاستعمال القرآني (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)، وأما معنى الاضطراب فبين؛ لأنه أثر عن الحب لا يسكن القلب إلا بمحبوبه فهو إلى حين اللقية مضطرب غير مستقر على حال، وأما لب الشيء فلأن الحب متعلق باللب وليس بالقشور وهو الحب الصادق غير المزيف بالشهوة المادية أو العرض الزائل فهو متجه إلى دواخل النفس وشغاف الروح ومنه ينطلق عند المحب.
فمعنى الحب إذن مرتبط بالجمال بشتى صوره المعنوي والباطني، والتشوف إلى السكن، والتركيز على الجوهر، لذلك بين ابن حزم في كتابه الماتع أنه “لو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص في الصورة، ونحن نجد كثيراً ممن يؤثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيداً لقلبه عنه “[ طوق الحمامة ص 95.]، وذلك لأن الحب شيء لا يقاس بميزان الظواهر، بل إن ابن حزم يقرر بأنه “ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه، فعلمنا أنه شيء في ذات النفس”، “وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها، فمن ودك لأمر ولى مع انقضائه”[ المصدر نفسه.]، فلذلك تزول المحبة بزوال أسبابها المادية فلو كان سببها المال فإن الفقر يذهبها، ولو كان الجمال الصوري علتها لانتفى الحب بالعجز وكبر السن أو بحادث آخر” ولهذا تنوعت ضروب المحبة وبين صاحب الطوق أن “أفضلها: محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان؛ ومحبة القرابة، ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس”[ ص 95-96.]، وصرح بأن محبة العشق المتمكنة من النفس لا فناء لها إلا بالموت.
اقرا أيضا
عاجل.. سائق شاحنة “بيكوب” مخمور يدهس عنصري أمن بالسد القضائي لشيشاوة
حزب الاستقلال يدعو الى احداث نواة جامعية ودعم الفلاحين والصناع التقليديين وتأهيل الأحياء ناقصة التجهيز بإقليم شيشاوة
حزب بركة يعقد دورة مجلسه الإقليمي العادية تحت شعار “تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن”
الذكريات الوطنية وأبعادها التربوية والشرعية في ترسيخ قيم المواطنة موضوع ندوة علمية بالزاوية النحلية
شرخ داخل حزب التجمع الوطني للأحرار بجماعة كماسة بإقليم شيشاوة بسبب تصويت ثلاثي على إقالة نائب الرئيس
تغطية الأولى للندوة الوطنية:”دور الفعاليات المدنية والأكاديمية في الترافع من أجل قضية الوحدة الترابية” بسيدي المختار
البرلماني الاستقلالي آيت أولحيان يترافع من أجل إخراج مشروع النواة الجامعية بشيشاوة إلى حيز الوجود
الدكتور الغالي يفكك من شيشاوة جدلية الولاء بين القبيلة والدولة ويؤكد قدرة الملكية في المغرب على ضمان استمرارية اللحمة الداخلية للأمة المغربية
السليمي من شيشاوة.. الإقليم بماهياته التقليدية في العلاقات الدولية متجاوز الى ثقله الروحي والمغرب ماض في كسب الرهان تجاه عمقه الإفريقي
- أخبار المغرب
- رياضة
- منوعة
- العثور على فلاح مشهور جثة هامدة بضيعته الفلاحية وسط صدمة أسرته و معارفه
- امتيازات ضريبية وشراكات عسكرية تدعم تحقيق المغرب للسيادة الدفاعية
- هذا نص خطاب الملك محمد السادس
- الملك يقرر إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية المغربية بالخارج
- عودة ترامب للرئاسة تعزز التحالف الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة
- الملك محمد السادس: هناك من يستغل قضية الصحراء لتصريف مشاكله الداخلية
- وفاة عيسى حياتو رئيس الكاف الأسبق في باريس عن عمر ناهز 77 عاما
- أولمبياد باريس.. المنتخب الوطني لكرة القدم يظفر بالميدالية البرونزية بتغلبه على نظيره المصري في مباراة الترتيب (6-0)
- العداء سفيان البقالي يهدي المغرب ميدالية ذهبية في أولمبياد “باريس 2024”
- المنافسة الأولمبية لكرة القدم .. المغرب يهزم العراق ويتأهل إلى ربع النهائي
- فوزي لقجع يكشف سبب إقالة حاليلوزيتش واختيار الركراكي لقيادة منتخب المغرب
- انتخاب حسن لحلو رئيسا لجمعية التنمية الرياضية بإقليم شيشاوة
- بمناسبة عيد العرش المجيد، حفل التميز بمديرية التعليم شيشاوة: تكريم للجهود وتحفيز على الابتكار8
- مؤسسة الخط بشيشاوة تحتضن امتحانات شهادة السلك الإعدادي فئة الأحرار – دورة يوليوز 20248
- المغرب ضمن أفضل الوجهات خلال 20248
- 2.6 مليون مصلّ ومُعتمر بالمسجد الحرام ليلة 27 رمضان8
- الوقاية من حوادث السير وتمليك ثقافة الاستعمال السليم للفضاء الطرقي محور ورشة تحسيسية احتضنتها ثانوية الإمام البخاري التأهيلية بشيشاوة8
- هل تحركت الأرض في تركيا 3 أمتار للغرب بعد الزلزال؟8