*/

الرئيسية > أراء

في رحيل الملياردير المتمرّد

  • الخميس 21 أبريل 2016 - 08:31

توفيق بوعشرين 
بنى نفسه بنفسه، ولم يتسلّق على ظهر عائلة مشهورة، ولا تسلح بالقرب من سلطة، ولا كانت معه شهادة جامعية، ولم يستظل بمظلة حزبٍ أو جماعة أو قبيلة، بدأ راعياً للغنم في قبيلة مهمشة، وانتهى على قائمة مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم. إنه ميلود الشعبي الذي توفي، الأسبوع الماضي في ألمانيا، عن 86 عاماً، قضاها في الجد والعمل والصمود والمقاومة وفعل الخير.
ليس الشعبي أول عصامي يبني ثروة من لا شيء، وليست قصة نجاحه الوحيدة في المغرب والعالم العربي، لكنه بالقطع نموذج متفرّد بين رجال أعمال شجعان، لم يمنعهم الخوف على المال من فتح أفواههم، ولا وقفت ثرواتهم أمام صراحتهم في وجه السلطة، ولا زرعت مصالحهم الخوف في قلوبهم، معه سقط شعار “الرأسمال جبان”.
بدأ راعياً في منطقة الشياظمة (جنوب المغرب)، كان يافعاً عندما اضطر للابتعاد عن كتّاب حفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة، والتوجه إلى رعي الماشية، لأن المجاعة والأمراض في مغرب الثلاثينيات خطفت بعض أفراد عائلته، ما اضطر الشعبي للعمل في الأرض لمساعدة الأسرة الفقيرة.
ثلاث محن لعبت دوراً كبيرا في قصة نجاح الصبي. الأولى، عندما أكل الذئب شاة من قطيع الراعي الصغير، وهو نائم تحت شجرة، ما اضطره للهرب من المنزل، مخافة عقاب والده الذي لم يكن يتساهل مع مثل هذا الخطأ. خروج الطفل ميلود المبكر إلى مدرسة الحياة الصعبة علمه الكثير في مشواره المثير. الثانية، في القطار بين مراكش والقنيطرة، حيث كان قاصداً بيت أخيه في سلا الذي يعمل في البناء، ولأن التعب كان قد هدّه، غفت عينه حتى أخطأ محطته، فوجد نفسه أمام مراقب القطار الفرنسي الذي لم يصدّق حكاية نوم الشاب، وطالبه بدفع الفرق بين تذكرتي القنيطرة وسلا، حيث كان منتظراً أن ينزل هناك. ولأن الفقر والعوز كانا رفيقي الصبي، فإنه عجز عن أداء ثمن تذكرة العودة إلى منزل أخيه، فصفعه المراقب الفرنسي، وأنزله من القطار، فبعث الله للفتى الشعبي مواطناً مغربياً، أخرجه من ورطته، ودفع عنه ثمن العودة إلى حيث يسكن أخوه. الثالثة، طرد صاحب مقاولة بناء في القنيطرة في الأربعينيات الشعبي الذي صار عامل بناء ماهر، نتيجة وشاياتٍ كاذبة من زملائه. أصبح الشاب العصامي أمام خيارين، التشرّد أو تأسيس مقاولة صغيرة في البناء، بعد أن سدّت في وجهه الأبواب. وهكذا تضافرت المحن الثلاث، لتصنع من ميلود الشعبي شاباً مقاولاً معتمداً على نفسه، ومعتداً بها في بلادٍ، كانت على وشك الخروج من الفترة الاستعمارية. .. هكذا ولدت النواة الأولى لما أصبحت تعرف اليوم مجموعة “يينا” التي تضم عشرات الشركات الكبرى والماركات التجارية، حيث تجاوزت ثروة الشعبي 2.5 مليار دولار.
لم يبن الراحل ثروته الكبيرة في أميركا أو أوروبا، حيث الشعار دعه يعمل دعه يمر، بل في المغرب، حيث الأغنياء فصيلة واحدة تقريباً، يولدون ويعيشون ويموتون ويربحون ويخسرون، بإذن السلطة وأوامر السلطان، بلاد ترى أن استقلالية الرأسمال خطر كبير على هيبة الدولة. لهذا، كان القصر في المغرب يعمل مع الأغنياء بالمثل الإفريقي “تلعب اللبؤة مع أطفالها طوال اليوم لكي لا يبتعدوا عنها”. بنى ميلود الشعبي ثروته بعيداً عن السلطة، وأحياناً في مواجهتها. لهذا، حورب من رجال الملك الحسن الثاني مراتٍ، واضطر للخروج إلى ليبيا ومصر والإمارات وفرنسا وأوروبا للعمل وكسب المال في اللحظات التي تتوتر فيها علاقته بالجالس على العرش، والذي كان يكره في الشعبي تمرّده واستقلاله واعتداده بنفسه.
عندما أطل الربيع العربي، نزل الملياردير الشعبي إلى الشارع، يساند تظاهرات شبّانٍ في عمر أحفاده، خرجوا يطلبون الإصلاح والعدل والحرية وفصل السلطة عن الثروة. كان مشهداً غير مألوف أن ينزل ملياردير إلى الشارع، للنضال ومساندة الحراك الديمقراطي. كان الشعبي يعرف أنها مجازفة كبيرة، لكنها فعلها، وتحمّل فاتورة كبيرة بعد هذه المبادرة. ستبقى سيرته للدرس والعبرة

اقرا أيضا

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...