وقد اشتغل العلوي بالشعر والنقد والترجمة أيضا؛ فـ”نقل العديد من النصوص الفرنسية إلى اللغة العربية”، ثم إن “هذا المجد الأدبي الذي حققه باكرا في حياته لم يثنه عن إنهاء دراساته العليا لاحقا في فترة الاستقلال، حيث حاز على الإجازة في شعبتَي القانون والأدب من جامعة محمد الخامس أوائل الستينيات، كما نال (المتريز) والدكتوراه من جامعة السوربون بباريس منتصف السّبعينات حول (الطريقة التيجانية) و(تحقيق ديوان ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي) على التوالي”.
وترى الثلاثية أن عبد السلام العلوي “نموذج لكثير من فنانينا الخلّاقين، المغمورين، الذين عاشوا في الظل وماتوا في صمت، فكفّنّاهم بالنسيان، وطوينا صفحتهم”، وممن ضرّهم أيضا إفسادُ السياسة سوق الأدب في المغرب أوائل الاستقلال.
وتندرج هذه الثلاثية ضمن هَمِّ إعادة الاعتبار للأدب المغربي، ويقول صاحبها إن إحساسا قد ترسخ لديه ولازمَه وأبناء جيله في محطات تحصيلهم العلمي بدءا بالمرحلة الثانوية، مفاده “أننا جيل لا نعرف عن تاريخ آدابنا وفنونا وعلومنا وتفكيرنا إلا نُتفا من النصوص روّجت لها المقررات الدراسية على عجل أو وجل أو خجل، وهي في الغالب لا تفي بالغرض، ولا تمثل الصورة الحقيقية لهذا التفكير ولهذا الأدب في شيء. والأدهى والامر، أن يكون لهذه النماذج المختارة أثر سلبي في نفوس الناشئة، فتثير لديهم مشاعر الاشمئزاز والاستخفاف والنفور حين يقارنون قيمتها الفنية بمثيلاتها المشرقية والغربية”.
وأكد أحمد حميد أن “تاريخنا الأدبي الحقيقي” بالمغرب “لم يُدوَّن بعد”، مضيفا أن “دررا من النصوص النثرية والشعرية الرفيعة المستوى محجّبة، لم يتح لها أن تغادر خِدرها”؛ وهو حكم “يسري على إنتاج عبد السلام العلوي من الشعر والمقالة”.
وذكر الباحث أن العديد ممن أطلعهم على آثار العلوي بعد تجميعها “استغربوا أن يظلّ عَلَم بمثل هذه القيمة تتجاهله الأوساط المثقفة؛ بمن فيهم الأدباء والمتأدّبون والباحثون في شأن الأدب المغربي”.
وسجل أحمد حميد أن الشاعر الراحل “يتحمل جزءا من المسؤولية في ذلك، لأنه اختار الانزواء والابتعاد بشخصه عن دائرة الأضواء خلال الحماية”، واستمر في فترة الاستقلال لأسباب اجتماعية وسياسية في (نفي نفسه عن الحياة الثقافية ومجافاتها، عديم الثقة بإمكانية تغييرها)، كما كتب الشاعر والناقد محمد بنيس.
كما فسر الباحث عدم الاهتمام بهذا الأديب بأنه “لم تكن له مشاركة مباشرة في صنع القرار الحدث السياسي مثل مجايليه عبد الكريم بن ثابت، وعبد المجيد بنجلون، وعلال بن الهاشمي الفيلالي… وغيرهم من الأدباء الذين استظلوا بمظلة السياسة، فنالوا نصيبهم من الشهرة، ومن عناية الدارسين، وحظيت أعمالهم بالنشر، فيما خاصم هو السياسة، و”أعلن جهارا بغضه لها”، قائلا إنها “تتهدّد حرية المبدع، وتفرض عليه قيودا، وتضع في عنقه التزامات هو في غنى عنها، إن هو أراد يتسيّد نفسه ويُخلص ودّه للإبداع”.