*/

الرئيسية > أراء

رمضان: سلطان الشهور

  • الإثنين 12 يونيو 2017 - 02:59

مع بداية شهر رمضان يوم 27 ماي صدر كتاب “الشهر الأكثر طولاً، رمضان في إسطنبول” لفرانسوا جيورجون، المتخصص في العالم الإسلامي واللغات الشرقية، والمدير السابق للمركز الوطني للبحث العلمي المعروف اختصاراً بـ CNRS:
يبيّن المؤلف أن شهر رمضان، الشهر التاسع من السنة القمرية، أصبح مع مرور الزمن أقوى الأوقات في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية في الدول الإسلامية. بل الزمن الأكثر قداسة، بما أن القرآن الكريم نزل فيه على النبي محمد، فاليوم يقضيه المسلم في الزُّهد، لكن منذ نهاية وجبة الإفطار، تبدأ لحظات اللقاءات العائلية والاجتماعية. يقول الكاتب واضعاً هذا الشهر في ميزان التاريخ: “إن دراسة طقس ديني مثل رمضان، بالنسبة للمؤرخ يعادل نوعاً من التحدّي، أو على الأصح، يمنح فرصة مثالية لدراسة التغيير، أي حركة التاريخ ذاته”.
وهو يحكي عن رمضان في مدينة إسطنبول منذ منتصف القرن التاسع عشر وبداية الإصلاحات العثمانية إلى اليوم، فإنه يحكي عن انتقالات تركيا في علاقتها بالدين وكيف تقدّم نفسها إلى العالم. لذلك اعتمد المؤرخ على نصوص المرحلة، مثل الجرائد المحلية، ونصوص الرحالة، وأخبار العائلات، وقام بتحليل الحركات التي تخترق أعماق مدينة بحجم إسطنبول، بساكنة بلغت 400000 نسمة سنة 1800، مليون نسمة سنة 1900، وأكثر من 15 مليوناً اليوم، لذلك فهي، حسب فرانسوا جيورجون، مختبر اجتماعي عظيم. وبما أنها، إلى حدود القرن العشرين، احتضنت أقليات غير مسلمة: يونانيين، أرمن، يهود، إلخ، فإن شهر رمضان هو أيضاً كاشفٌ لطبيعة العلاقات بين المجموعات.
في بداية القرن التاسع عشر، كان “الشهر الأطول” يلعب دوراً مركزياً في المجتمع العثماني. دور هو “في نفس الوقت طقس ديني وكرنفال”، كما عبر الشاعر الفرنسي جيرار دي نيرفال بإعجاب، هو نفس الإعجاب الذي عبّر عنه أغلب الكُتّاب الرحالة الغربيين. “في كل أربعة وعشرين ساعة، يختلط كل شيء بكل شيء، الإفطار والوليمة، الورع والمرح، الحماس والبهجة، الدين والدنيا”، يقول المؤلّف.
إن هذا الشهر هو أيضاً شهر التجاوزات لأمور ظلت ثابتة طيلة سنوات، حيث النساء يخرجن في رفقة طيبة من عزلتهن لمشاهدة العديد من العروض. إنه شهر الحرية، وأيضاً حامل لرمزية سياسية كبيرة. فقد كان، بالنسبة لعبد الحميد الثاني (1876-1909) مثلاً، فرصة لتثبيت الخلافة، أي البعد الديني للسلطة.
بعد الإطاحة بهذا الطاغية، يضيف المؤلف، أصبح رمضان لحظة للنقاشات السياسية الساخنة. فأصبح الشبان الأتراك، الداعون إلى جعل تركيا غربية بوتيرة سريعة، يطلبون من الأئمة شرح الدستور الجديد أثناء خطبهم، فدخلوا في مواجهة مع المحافظين الذين أصبحوا يمثلون التقليد وإضعاف الإسلام، الذي تجلّى في انخفاض عدد الصائمين في الشهر الكريم، وذلك، من جانب آخر، دليل على أفول الإمبراطورية.
يشير المؤلف إلى أن الدول الإسلامية، ويعطي هنا مثالاً بتركيا، مهما بلغت درجة حداثتها، فإن رمضان يظل زمناً مقدّساً. ومع صعود الإسلام السياسي (في تركيا دائماً)، وتربع أحزابه على سدّة الحكم، أصبح رمضان رمزاً للوحدة والجمع. ولا غرابة في أن نجد في جل الساحات، كما في بعض المقاهي، الإسلامية تُمنح وجبات الإفطار مجّاناً للفقراء والمعوزين وعابري السبيل.
هنا تقف الخاتمة التي وضعها للكتاب الجغرافي جان-فرانسوا بيروز، على حقيقة أساسية: “ففي رحاب العاصمة الكبيرة، ورغم كلّ قوى الفردانية التي تخترق المجتمع، يبقى رمضان في بداية القرن الواحد والعشرين لحظة عائلية أساسية، حيث تنشط العلاقات من جديد”.
لقد رسّخ رمضان مكانته المركزية في المجتمعات الإسلامية، وقوانينه ظلت راسخة بعمق في المتخيل الجمعي. هكذا يستخلص الباحث.

*المقالة مترجمة من صحيفة “لوموند” الفرنسية.

اقرا أيضا

عبر عن رأيك

الآن تيفي

المزيد


استفثاء

ما هي نوعية المواضيع االتي تفضلون قرائتها على موقعكم شيشاوة الآن

التصويت انظر النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...