وفي أواخر الشهر الثاني من العام ذاته أنهى المغرب بشكل رسمي ثلاث سنوات من تطبيق حالة الطوارئ الصحية التي كانت الحكومة قد أقرتها في شهر مارس من العام 2020، إثر تفشي جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19” حينها، ليتم تمدديها أكثر من مرة. وجاء قرار عدم التمديد هذا بعد استقرار الوضعية الوبائية في البلاد ونجاح المغرب في تدبير واحد من أكبر الأزمات الصحية التي عرفها القرن الواحد والعشرون.
بداية شهر ماي من السنة ذاتها أعلن الملك محمد السادس عن قرار تاريخي شكل انتصارا للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية متعددة الروافد، إذ أقر العاهل المغربي رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، مُوجها بذلك الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار، قبل أن تعتمد حكومة أخنوش في وقت لاحق يوم الـ14 يناير من كل سنة كرأس للسنة الأمازيغية وعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، وبالتالي سيتم الاحتفال بهذه المناسبة ولأول مرة في تاريخ المغرب ابتداء من العام القادم.
وفي الـ17 يوليوز انتهى بروتوكول الصيد البحري الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي دون تجديد، وهو البروتوكول الذي كانت تسمح بموجبه الرباط لمجموعة من السفن الأوروبية، خاصة الإسبانية منها، بالصيد في سواحلها البحرية، وهو ما أثار قلق الصيادين الإسبان الذي طالبوا بروكسل بالعمل على تجديده بالنظر إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدوها إثر مغادرة أسطولهم المياه المغربية. فيما تنتظر الأطراف المعنية بهذا الملف صدور قرار لمحكمة العدل الأوروبية، بعد الطعن الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية ضد حكم ابتدائي للمحكمة ذاتها كان قد قضى بإلغاء الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والتكتل الأوروبي بمزاعم إبرامها “دون موافقة سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة”.
مأساة وملحمة
شهر شتنبر شهد حدثا دراماتيكيا لم يمكن يتوقع أحد حدوثه، إذ ضرب زلزال بقوة 7 درجات على سلم ريشتر إقليم الحوز مساء اليوم الثامن منه، وحدد مركزه بجماعة “إيغيل”، مخلفا أضرارا مادية وبشرية كبيرة، إذ أسفر عن مقتل حوالي 3000 مواطن مغربي؛ فيما شملت أضرار هذه الفاجعة حوالي 163 جماعة و2930 دوارا، في حين لحقت حوالي 2.8 ملايين نسمة.
لحظات مأساوية تلك التي عاشها المغاربة إثر هذه الفاجعة التي ستبقى متناقلة بين مختلف الأجيال، ليس فقط بسبب مأساويتها، ولكن أيضا بسبب التضامن منقطع النظير الذي أبان عنه المغاربة الذين هبوا لنجدة إخوانهم المتضررين، راسمين بذلك ملحمة تضامنية وقف العالم بأسره إجلالا واحتراما لها، وهو ما مكن البلاد من تدبير هذه الأزمة بكفاءة عالية مدعومة بجهود مختلف السلطات التي جندت كل إمكانياتها للتعاطي والاستجابة السريعة لهذه الكارثة المفاجئة، مدعومة أيضا بجملة من الإجراءات السريعة التي أقرتها الحكومة المغربية بتوجيهات ملكية، على غرار صرف مساعدات مالية للأسر المتضررة ومباشرة عملية إعادة إعمار الأقاليم المنكوبة.
وأواخر الشهر ذاته وجه الملك محمد السادس رسالة إلى رئيس الحكومة بشأن إعادة النظر في مدونة الأسرة التي شكلت موضوع نقاش عمومي مستفيض بين مختلف الفعاليات السياسية والحقوقية في البلاد. وأسند العاهل المغربي مهمة الإشراف على إصلاح المدونة بشكل مشترك إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسية النيابة العامة؛ فباشرت الهيئة المكلفة منذ ذلك حين سلسلة من اللقاءات مع مختلف الهيئات السياسية والمدنية والتنظيمات المهنية من أجل الإصغاء لمقترحتها في ما يخص هذه المراجعة، وأنهت مرحلة الإصغاء للمقترحات وستشرع في المداولات في أفق رفع توصيات إلى الملك في هذا الصدد.
وفي الـ27 من الشهر نفسه أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) فوز المغرب بتنظيم نسخة سنة 2025 من كأس الأمم الإفريقية، قبل أن يتعزز هذا الحدث بحدث آخر مماثل في الرابع من أكتوبر، ويتعلق الأمر بإعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن فوز الملف المشترك المغربي الإسباني البرتغالي بشرف استضافة بطولة كأس العالم لسنة 2030.
موقف مغربي ثابت
شهر شتنبر لم يرد أن ينقضي دون أن يبصم على حدث شل المدرسة المغربية لعدة أسابيع، ويتعلق الأمر بمصادقة الحكومة على المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ الـ9 من أكتوبر. غير أن هذا النظام قوبل بالرفض من قبل الأساتذة الذين خاضوا سلسلة من الإضرابات المستمرة إلى حدود كتابة هذه الأسطر، إذ مازالت التنسيقيات متشبثة برفض مخرجات حوار النقابات مع الحكومة وبـ”معركتها النضالية”، رغم التقدم الذي أُحرز في الملف المطلبي للشغيلة التعليمية، ورغم الدعوات المتتالية إلى الرجوع إلى حجرات الدرس لتلافي سيناريو السنة البيضاء.
وفي السابع من أكتوبر اتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مسارا آخر إثر إطلاق حركة حماس عملية “طوفان الأقصى”، ودخولها في حرب مباشرة مع إسرائيل، سقط إثرها آلاف الفلسطينيين؛ فيما ظل المغرب ملتزما بوفائه للقضية الفلسطينية، إذ أدان في أكثر من مناسبة العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، مشددا على أنه “لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”. بينما خرجت منذ هذا التاريخ مسيرات شعبية في عدد من المدن المغربية تضامنا مع الفلسطينيين وتنديدا بممارسات إسرائيل في قطاع غزة ومجمل الأراضي الفلسطينية.
وعرفت أواخر الشهر ذاته حدثين بارزين علاقة بقضية الصحراء المغربية، أولهما استهداف جبهة البوليساريو أحياء سكينة في مدينة السمارة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما أسفر عن مقتل مواطن مغربي وجرح آخرين. وفيما تبنت الجبهة الانفصالية على لسان عدد من قياداتها هذا الهجوم الإرهابي، خرجت مسيرات حاشدة في كل من مدينتي السمارة والعيون تنديدا بهذه الواقعة، في وقت تعالت أصوات المغاربة من أجل التحرك لوضع الجبهة الانفصالية على قوائم الإرهاب العالمية.
يومان بعد هذا الحادث، وبالضبط في الـ30 من أكتوبر، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2703 بشأن الصحراء المغربية، الذي أعاد تكريس سمو مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 لتسوية هذا النزاع، مجددا دعوة الجزائر إلى العودة لآلية الموائد المستديرة التي ظلت ترفضها بمزاعم أنها ليست طرفا في هذا النزاع المفتعل.
دعم وزيارة ورجة
في بداية شهر نونبر صادقت الحكومة على مشروع المرسوم رقم 2.23.350 بتحديد أشكال إعانة الدولة لدعم السكن وكيفيات منحها لفائدة مقتني المساكن المخصصة للسكن الرئيسي، إذ ستمنح إعانات مالية بقيمة 100 ألف درهم من أجل اقتناء سكن يقل ثمنه عن 300 ألف درهم أو ما يعادلها، فيما ستمنح إعانة قدرها 70 ألف درهم من أجل اقتناء السكن الذي يفوق ثمنه 300 ألف درهم. كما شرعت الحكومة في مرحلة لاحقة من هذا التاريخ في صرف أولى دفعات الدعم المباشر للأسر لحوالي مليون أسرة مغربية.
وفي السادس من نونبر، وبمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، ألقى العاهل المغربي خطابا أعلن من خلاله عن مبادرة إقليمية تروم تعزيز ولوجية دول الساحل إلى المحيط الأطلسي وتحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي، وهي المبادرة التي لاقت دعما من عدد من الدول الإفريقية التي التقى وزراء خارجيتها في مراكش لتنسيق الجهود بشأن تنزيل هذه المبادرة الملكية على أرض الواقع.
وفي بداية الشهر الأخير من سنة 2023، أجرى الملك محمد السادس زيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، هي الأولى من نوعها منذ تولي محمد بن زايد رئاسة هذه الدول الخليجية خلفا للشيخ الراحل خليفة بن زايد آل نهيان؛ حيث أسست قيادات البلدين لشراكة مبتكرة ومتجددة تروم إرساء نموذج تعاون اقتصادي واستثماري شامل، مع انخراط أبوظبي في الدينامية الاقتصادية والتنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة.
سنة 2023 أبت أن تنتهي دون أن تحدث رجة في الوسط السياسي المغربي، إثر اعتقال أسماء سياسية بارزة على غرار رئيس نادي الوداد الرياضي والبرلماني عن “حزب الجرار” سعيد الناصيري، إضافة إلى عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، في إطار قضية تاجر المخدرات المالي المعروف بـ”إسكوبار الصحراء”، وقبلهما تم اعتقال برلمانيين على خلفية شبهات فساد وعزل نواب ورؤساء جماعات من مناصبهم، ليؤكد بذلك المغرب أنه ماض في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس استقلالية السلطة القضائية والقطع مع سياسة الاحتماء بمظلة المناصب والأحزاب.