بعد أسبوع من الزلزال.. “شيشاوة الآن” تعيد تركيب الوصفة العقلانية لإدارة عامل الاقليم للأزمة والفاعلون أمام دروس وعِبَر تاريخية

توفيق عطيفي- شيشاوة الآن
يقال في ادبيات علم ادارة الأزمات: “تدبير العقلاء منزه عن العبث والآنية الضيقة في الزمان والمكان”، هذا القول يصدق في حق خلية إدارة خلية الأزمة الإقليمية على إثر تداعيات الهزة الزلزالية التي ضربت إقليم شيشاوة الاسبوع الماضي، والتي قادها ويقودها على الأرض بوعبيد الكراب عامل إقليم شيشاوة وعدد من المسؤولين من أطر الدولة من قوات مسلحة ملكية وأجهزة أمنية ودرك ملكي وقوات مساعدة والوقاية المدنية ومصالح خارجية.
تحرك عقارب الساعة نحو العدد 1111 يوم الجمعة 9 شتنبر 2023، شكل لحظة فارقة في تاريخ الأقاليم الثلاثة: شيشاوة، الحوز وتارودانت، طبيعة وانسانا، بما فيهم عدد من المسؤولين الترابيين والمؤسساتيين بجهة مراكش اسفي، لإختبار مدى كفاءتهم في إدارة الأزمات الطارئة التي تأتي بغثة وبدون مقدمات تاريخية ولا جغرافية، ولا حتى اشارات قد تسعفهم في إعمال البروتوكول الوقائي الذي يستعمل في حالة النشرات الانذارية.

عامل إقليم شيشاوة، بوعبيد الكراب، ابن حي يعقوب المنصور بالرباط، والذي جاءت به الثقة الملكية السامية الى إقليم شيشاوة قادما اليه من العيون عاصمة الصحراء المغربية، كان أول مسؤول رفيع المستوى يشد الرحال الى جماعة أداسيل المنكوبة بعد هزة زلزالية بلغت مستوى قياسي 6.8 على سلم ريشتر، قادما اليها من العاصمة الرباط، حيث كان بوعبيد الانسان والأب ورب الأسرة يقضي اجازته السنوية لتدبير اغراض الدخول المدرسي، غير أن مالك إرادة القدر التي لا ترد حتمت عليه الانتقال الى اداسيل المكلومة بإنسانها وحجرها بعد أقل من ستة أيام من الخروج الرسمي للإجازة السنوية.

المسؤول الإقليمي الأول وعلى مدار 427 كلمتر، وهو يسابق الكلمترات للتواجد الميداني قصد تسطير أولويات التدخل من جهة، ويعطي تعليماته للمصالح المختصة عبر السعيد أومهير كاتب عام عمالة شيشاوة بوضع كل عناصرها في حالة استنفار والانتقال إلى المنطقة، بدء بمديرية التجهيز قصد التدخل لفتح المسالك الطرقية والجماعات الترابية بتوجيه معداتها اللوجستية للمساعدة في عملية انقاذ المنكوبين عبر فتح الطرق اولا لتمكين القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة من الوصول الى المنطقة من جهة ثانية، وهي العملية التي تكللت بالنجاح في ظرف قياسي زمني مهم بفضل دعم ومساندة ميدانية لشخصيات عمومية انتصروا لتماغربيت والانسانية التي تسع الجميع .

واعتبارا من لحظة تحرير المسالك الطرقية التي تضررت بفعل الإنهيارات السخرية نتيجة عنف الهزة الزلزالية، لازم المسؤول الإقليمي الأول الامساك على لوحة قيادة الأزمة بجعل انقاذ المواطنين من تحت الأنقاض واسعافهم همه الأول، حيث انخرط في العملية تخطيطا وتنفيذا، ليتمكن الاقليم في يومه الأول من انتشال ضحاياه ودفنهم وايصال الجرحى الى المؤسسات الإستشفائية الإقليمية والجهوية.
واذا كان تدبير الأزمات من هذا القبيل في بدايتها الأولى تبعثر أوراق المسؤولين الترابيين من حيث بناء منطق الأولويات، بالنظر ربما لجهلهم بجغرافية المكان، فإن هذا منتفٍ في حالة عامل شيشاوة لمعرفة الرجل بشرايين جغرافية الإقليم أكثر من قاطنيها بفضل الجولات المكوكية اليومية التي يقودها لتتبع الأوراش التنموية الجارية في جميع الجماعات الترابية بالإقليم، وكذا بفضل ما نسجه الرجل من شبكة علاقات انسانية واجتماعية بسكان المداشر سهلا وجبلا، وما يعكس ذلك قدرة الرجل على احصاء الضحايا من خلال التواصل المباشر بممثلي السلطة المحلية وأعوانها وفعاليات المجتمع المدني المحلي.
الجريدة عاينت الاشراف الميداني لعامل الإقليم والسلطات المحلية والقوات المسلحة الملكية، حيث جسد مفهوم رجل السلطة بامتياز ورجل الدولة بإخلاص بالإنصات لكل المتدخلين بعيدا عن منطق الأوليغارشية في مشهد ملحمي جمعي لكل القوى الفاعلة في الإقليم، ليباشر معه عملية استنفار الجهات المختصة والقطاع الخاص بإرسال المواد الغذائية إلى المناطق المتضررة خاصة الماء والخبز والحليب، دون اغفال مواصلة الاشراف الميداني لعمل فرق الإنقاذ وتفقدها في كل حين لرفع معنوياتها امام هول الصدمة التي رافقتهم طيلة مسار انتشال الضحايا بين أنين شهيد في شهقاته الأخيرة إلى القدر المحتوم وأم قد حضنت صغيرها وجعلت ظهرها سقفا له وقضايا معا وشيخ هزمه ثقل صخور جبال الأطلس التي تدحرجت الى قعر منزله.
ولئن كانت إدارة مستلحقات الأزمات من عشوائية تدخل باقي الفواعل خاصة المحكومين منهم بنزعة الانفعال لا التفاعل العقلاني، فإن إدارة التبرعات الإنسانية والزيارات التضامنية للمنطقة المنكوبة بقدر ما كان حافزا معنويا للمنكوبين فقد تميز بتعميق الصعوبات أمام فرق الإنقاذ والاغاثة ومن خلق اضطراب في حركة المرور فوق بنية طرقية صعبة الولوج، وهو ما قاد السلطات الإقليمية الى فتح المراكز الإقليمية لاستقبال المساعدات وتكليف الكتابة العامة ورؤساء الدوائر ورجال السلطة بإدارتها، حتى يتسنى للسلطة الإقليمية التفرغ لإيواء الاسر المنكوبة والثرب منها في إطار الدعم النفسي، حيث ظل عامل الإقليم يربط ليله بنهاره خاصة في الايام الخمسة الأولى ويقضي مع الساكنة لياليهم في الميدان ويتفقد احوالهم.
فضلا عن التدبير الترابي والاداري للأزمة، وجدت السلطات الإقليمية نفسها امام التدبير العلائقي العام، امام المئات من الوفود التي حجت الى المنطقة لإيصال المساعدات الإنسانية من مغاربة ومغاربة المهجر وأجانب من دول شقيقة وصديقة الى المتضررين.
اجمالا يبقى تدبير أزمة الزلزال 1111 درسا وطنيا ولرجال الإدارة الترابية في الوعي بأهمية ودور الوجود بالقوة ميدانيا بالنسبة لأطر الإدارة الترابية من خلال التحرر من قبضة وسلطة الكرسي والبيروقراطية الإدارية الفجة، الى الوجود بالفعل مع المواطنين وجغرافياتهم الترابية والثقافية والقبلية والاشكالاتية، حتى يضمن المنتسب لجسم هذه الإدارة الإدارة السلسة في لحظات الكوارث الطبيعية. ودرسا ايضا للمنتخبين والمجتمع المدني من خلال قيم التجرد والانتصار للإنسان والوطن وقضاياه وألا نضعف امام الانكسارات وخيبات التاريخ والا نعطي الدنية نظير مساعدات نبيع مقابلها شهامة الدولة الأمة المغربية والتي ترجمها جلالة الملك بحفظ سيادة الدولة وكرامتها وتاريخها الأبي في الوقت الذي تقاطرت فيه ملتمسات دول شقيقة وصديقة لإيصال المساعدات الإنسانية، ورد جلالته التحية بأحسن منها بشكر هذه الدول والتأكيد أن المغرب يحتاج لمساعدات نوعية تقنية فقط دون غيرها مع باقة شكر وبمستوى عال من اللباقة الدبلوماسية.